كانت البداية الحقيقية للفنون التشكيلية في المملكة باعتراف كثير من الباحثين ومؤرخي الفن في السعودية بعد اعتماد مادة التربية الفنية، كمادة أساسية ضمن مواد التعليم العام في المملكة عام 1377هـ. تلك البداية كانت تعتمد على الممارسة الفنية التعليمية باستخدام قلم الرصاص، وألوان الباستيل، والشمع، والفحم. وبذلك بدأت الفنون التشكيلية تنمو ببطء، ممثلة في إنتاج مجموعة من الفنانين الهواة، أغلبهم من مدرسي التربية الفنية وبعض الطلاب الموهوبين، حيث كان الحصاد بطيئاً، فإعداد وتشكيل الأفراد قد يأخذ وقتاً طويلا، من أجل أن تتبلور أفكار الأجيال الجديدة، وتتحرر من المؤثرات الأجنبية المختلفة لتتبلور بوضوح معالم الشخصية الفنية السعودية. وقد جاءت نتائج اعتماد هذه المادة سريعة، ففي عام 1378هـ -
وهو عام البداية الحقيقية للمعارض الفنية المدرسية- عممت وزارة المعارف هذه المادة على جميع مراحل التعليم العام. كما شهد العام نفسه دعماً حكومياً غير مسبوق وعلى أعلى مستوى. فقد أفتتح ملك المملكة العربية السعودية آنذاك الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود-رحمه الله- أول معرض فني مدرسي أقيم في نفس العام وضم جميع المراحل التعليمية بالمملكة. ويصف الرصيص افتتاح ذلك المعرض وآثاره بأنه في عام 2000:
1378هـ/1958م: أقيم أول معرض فني من إنتاج طلاب مدارس التعليم العام بمقر وزارة المعارف بالرياض، وقد افتتحه الملك سعود بن عبد العزيز (يرحمه الله) وكان الملك فهد وزيراً للمعارف آنذاك .وقد أعتبر الحدث تتويجاً لقرار وزارة المعارف بتدريس مادة التربية الفنية بالمدارس واحتضان رسمي للفنون التشكيلية. كما ساعد على إقامة المعارض الفنية المدرسية في جميع مناطق المملكة بعد ذلك حتى الآن، وهذا يساعد بدوره على ظهور المواهب الفنية الصغيرة في وقت مبكر لتشق طريقها في عالم الفن مستقبلاً .
وبذلك تكونت أول قاعدة لإبراز الفن التشكيلي المتمثل في إنتاج مجموعة من الفنانين التلقائيين والهواة الذين مارسوا الإنتاج الفني من خلال مادة التربية الفنية بالتعليم العام، حيث كانت هذه المعارض المدرسية بمثابة تعريف للمجتمع بماهية الفنون التشكيلية، كما كانت مصدراً لإبراز المبدعين في مجال الفنون التشكيلية. وتتابعت بعد ذلك المعارض المدرسية
ففي عام 1379هـ/1959م " أقيم معرض جماعي للمدارس الثانوية بالمملكة في الرياض ففازت المدرسة العزيزية من مكة بالمرتبة الأولى وكان الفائز الأول فيها هو رائد الفن السعودي فيما بعد الدكتور عبد الحليم رضوي وكان اسم اللوحة (قرية) وهي تصور منازل طينية متفرقة مع أشجار النخيل" . وفي عام 1382هـ/1962م جرت بعض التعديلات على برامج وأنشطة التربية الفنية، وهو نفس العام الذي عاد فيه أغلبية المبتعثين في هذا التخصص من مصر.
وبرز بعد ذلك الاهتمام الحكومي بالتعليم التربية الفنية بشكل عام وتعليم الفنون بشكل خاص، وكان من نتائج ذلك الاهتمام إنشاء وتأسيس معهد التربية الفنية في الرياض عام 1385هـ بموجب القرار الوزاري رقم 30/28/1368هـ، في عهد معالي وزير المعارف-آنذاك- الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله. وكان تأسيس هذا المعهد نتيجة طبيعية لوجود مادة التربية الفنية بمراحل التعليم العام في المملكة، مما أكد الحاجة إلى توفير معلمين متخصصين في هذا المجال، وذلك لتدريس مادة التربية الفنية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة. كما أنهى هذا المعهد جميع البرامج الأخرى التي كانت تقدم ضمن برامج معاهد إعداد المعلمين الثانوية، وذلك بسبب عدم كفاءتها في إعداد معلم التربية الفنية المؤهل.
أما عن طبيعة الدراسة في المعهد، فقد كانت مدة الدراسة فيه ثلاث سنوات بعد الكفاءة المتوسطة، يقدم المعهد فيها مواد متخصصة في مجال الفنون التشكيلية. وكانت مواد فنية متعددة كالتصوير التشكيلي، والتصميم والزخرفة، الرسم الهندسي، الخزف، الطباعة بأنواعها، أشغال الخشب، خامات البيئة الحديثة والمستهلكة، هذا إلى جانب مقررات في طرق تدريس الفنون وعلم النفس. وكانت تلك القاعدة الأولى التي تخرج منها العديد من المدرسين والفنانين والذين أصبحت لهم مكانة بارزة فيما بعد. ويمكن اعتبار ذلك المعهد من أهم وسائل تدعيم الحركة التشكيلية السعودية، وذلك من حيث الإعداد الفني والتربوي لخريجيه.
ولقد أنشئ المعهد كما ذكر بجهود الأستاذين أحمد دشاش وجميل مرزا العائدين من مصر سنة 1382هـ/1963م واللذين قاما بإنشاء أقسام للتربية الفنية وتصميم المناهج. ولقد ضم المعهد مجموعة من المدرسين الوطنيين كان من بينهم أ.أحمد صالح شرف، ود.عبد الحليم رضوي، وأ. عبد الرشيد سلطان و أ.عبد الرحمن دمنهوري يرحمهما الله. وعمل به كذلك مجموعة كبيرة من الفنانين والأساتذة العرب، والذين كان من بينهم سعد الكعبي من العراق، ومحمد شحته حميد من مصر، وأحمد آدم من السودان، وغيرهم الكثير .
ومع أن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في خلال هذه الفترة (أي ما بعد 1385هـ) كانت غير ثابتة، حيث شهدت تطورات اقتصادية، أثرت بشكل مباشر على جميع النواحي الاجتماعية، والتعليمية، والثقافية، كان لكل ذلك أثره الواضح على المجتمع السعودي الذي تغير كثيراً في مدة قصيرة لم تتجاوز ثلاثة عقود. كما شهدت هذه الفترة اهتماماً حكومياً واضحاً بتطوير قطاع الفنون التشكيلية، حيث كان من المتوقع "افتتاح أكثر من معهد للتربية الفنية بمناطق مختلفة في المملكة لسد الحاجة الملحة من المدرسين المتخصصين في هذا المجال، إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث". ومع بداية الخطط التنموية الخمسية عام 1390-1391هـ/1970-1971م، وضمن الخطتين الأولى والثانية وجد اهتمام وعناية أكثر بتطوير الفنون التشكيلية عامة والتربية الفنية خاصة. فقد تم ابتعاث أكثر من ثمانين مدرساً وموظفاً إلى أمريكا وإيطاليا ومصر، وهم يمثلون عدة مؤسسات حكومية في وزارتي المعارف والإعلام، وجامعتي الملك سعود وأم القرى، وذلك لاستكمال دراساتهم الجامعية والتخصص بمجالي الفنون التشكيلية والتربية الفنية. كما تم تأسيس قسم التربية الفنية بجامعة الملك سعود عام 1395هـ/1975م في الرياض، وبعد عام تلاه قسم للتربية الفنية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، ويقدم القسمين أربعين مقرراً دراسياً منها ثمانية وعشرون مقررا في الفنون التشكيلية، وقد تخرج من القسمين أكثر من ألفي طالب وطالبة، منهم عشرون طالبا تقريبا يعدون للدراسات العليا بأمريكا عاد منهم اثني عشر طالباً. ومنذ عام 1413هـ بدأ قسم التربية الفنية بجامعة أم القرى بتقديم برامج متخصصة للحصول على درجة الماجستير في التربية الفنية. وكانت الخطة التنموية الأولى قد تضمنت إنشاء أقسام للتربية الفنية بالكليات المتوسطة، حيث أنشئ قسم بكلية المعلمين في الرياض، ثم المدينة المنورة، وتتالت بعد ذلك أقسام التربية الفنية في جميع كليات المعلمين الثمانية عشر في مختلف مناطق المملكة. كما تم في عام 1409هـ رفع مستوى الكليات المتوسطة إلى مرحلة البكالوريوس. هذا بالإضافة إلى عشرة أقسام للتربية الفنية في كليات البنات تحت إشراف الرئاسة العامة لتعليم البنات.
اتسمت تلك البدايات الأولى بإدخال مادة التربية الفنية إلى المؤسسة التعليمية، و بالممارسة الفنية المدرسية، وبالمعارض الفنية المدرسية، جاءت بداية أخرى للمعارض التشكيلية...
فقد كانت بداياتها الأولى قائمة بجهود شخصية وفردية. مما أدى إلى لتقبل المجتمع السعودي لفكرة الفنون التشكيلية بصفة عامة، والتصوير بصفة خاصة، لاسيما وهي تقدم صورة مختلفة لما عرفه المجتمع من صور زخرفية تزينيه في مجالات حرفية ونفعية. ولعل أول تلك البدايات كانت في عام 1384هـ/1964م عندما أقام الفنان عبد الحليم رضوي أول معرض فني تشكيلي له وللفن التشكيلي بصفة عامة في المملكة، وذلك بمدينة جدة ثم الرياض ثم المنطقة الشرقية، وذلك في نفس العام الذي تخرج فيه من أكاديمية الفنون الجميلة بروما، والتي حصل من خلالها على دبلوم أكاديمية الفنون الجميلة
فقد كان لهذا المعرض أهمية كبرى وكان هنالك "محاذير" على ما كان يسمى بالرسم، انتهت بعد عودة الرضوي من إيطاليا عام 1384هـ، وذلك بعد أن أقام عدة معارض شخصية له في المدن الكبرى بالمملكة، مما شجع الفنانين السعوديين الذين درسوا في إيطاليا أن يتوجهوا نفس توجهه. والرضوي الذي يعتبر أول فنان سعودي ورائد للحركة التشكيلية في المملكة نشأ نشأة متواضعة، في أسرة بسيطة في مكة المكرمة، تولت تربيته أمه المحبة للفن بعد موت أبيه، ثم شجعه معلموه على الرسم، وأحب هو أن يكون مميزاً بين أقرانه فاتجه للرسم. دفعته الجائزة الأولى بين طلبة مدارس الثانوية على التمسك بالفن وامتهانه، فسافر إلى إيطاليا ولم يكن في بداية دراسته ضمن المبتعثين السعوديين
ولكنه تمكن من الحصول على بعثة بعد معاناة في الغربة وبعدما أنهى دراسته عاد إلى المملكة بعد أن أقام في إيطاليا العديد من المعارض التشكيلية، كما أقام في طريق عودته إلى المملكة معرضاً في لبنان لقي صدى إعلامياً جيداً، أقام أول معارضه في جدة بنادي البحر الأحمر على هامش حفلة مدرسية، ويذكر أنه صدم من عدم إقبال الجمهور على الفن، ومع ذلك واصل عروضه في الرياض وتحديدا في نادي النصر، وأفتتح المعرض صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبد العزيز آل سعود. ثم انتقل بعدها إلى المنطقة الشرقية بدعوة من شركة ارامكو
وباع خلال هذا المعرض أكثر من عشرين عملا فنيا، كما تعاقد مع الشركة لعمل أربعة أعمال فنية وبقيمة أربعة آلاف ريال-وهو مبلغ كبير آنذاك-. أسهم بعد ذلك في مجالات تعليمية كثيرة منها معهد التربية الفنية في الرياض، ومركز الفنون بجدة، ودورات صيفية كانت تقيمها وزارة المعارف بمدينة الطائف. له العديد من المعارض الفردية والتي تجاوز عددها التسعين، كما حصل على العديد من الجوائز المادية والمعنوية، وله نشاطات علمية وأدبية عديدة.
وبعد عام واحد من المعرض الأول للرضوي، أي في عام 1385هـ أقام الفنان عبد العزيز الحماد معرضه الأول في مدينة الدمام، وهو لا يزال طالباً في معهد التربية الفنية في الرياض. وفي عام 1387هـ/1967م أقام محمد السليم رحمه الله (1358-1417هـ)، معرضه الشخصي الأول، في نادي النصر بالعاصمة الرياض، وشرف حفل الافتتاح أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود. ومحمد السليم هو ثاني رواد الفن التشكيلي في المملكة تحفل سيرة الفنان السليم بالكثير من العطاء، فقد أوكلت إليه مهمة تدريس مادة التربية الفنية بعد حصوله على شهادة المرحلة الابتدائية في نفس المدرسة التي تخرج منها، حيث لوحظ عليه نشاطه الملحوظ في تنفيذ اللوحات الخطية والوسائل التعليمية لمختلف المواد وذلك أثناء دراسته وتدريسه.
ثم حصل عام 1380هـ/ 1960م على الجائزة الأولى في نشاط التربية الفنية ضمن دورة تأهيلية أقيمت للمعلمين. كما واصل تعليمه المتوسط والثانوي من خلال المدارس الليلية والمنازل، كما حصل على الترتيب الأول في الدورة الثانية لتأهيل مدرسي التربية الفنية عام 1385هـ/1965م، حيث عين بعدها مفتشاً لمادة التربية الفنية. ثم تفرغ للعمل منفذاً للديكورات واللوحات الخلفية لمعظم البرامج التلفزيونية وذلك في عام 1388هـ/1968م. وفي عام 1390هـ/1970م تم ابتعاثه للدراسة في إيطاليا بأكاديمية الفنون الجميلة بمدينة فلورانسا بإيطاليا.
وتتالت بعد ذلك المعارض الشخصية، ففي عام 1388هـ/1968م أقام الفنان ضياء عزيز ضياء معرضه الشخصي الأول بمدينة جدة، ثم حصل على بعثة إلى أكاديمية الفنون الجميلة بروما عام 1391هـ/1971م. وفي نفس العام (1388هـ) أقامت الفنانتان منيرة موصلي و صفية بن زقر معرضهما الثنائي بجدة، وتقول الفنانة صفية عن هذا المعرض بدأت رحلتي الفنية في عام 1968م بمعرض المدارس بدار التربية الحديثة بجدة، وضم المعرض31 لوحة، وشاركتني في المعرض الفنانة السعودية منيرة موصلي. ويمكن القول أن الفنانة صفية واحدة من أهم الفنانات السعوديات من حيث دراستها الأكاديمية، فقد تلقت تعليماً خاصاً في القاهرة، كما التحقت بمعهد سان مارتن للفنون بلندن لمدة عامين، وبذلك تعتبر أول فنانة سعودية تتلقى تعليماً أكاديمياً في فن الرسم، وأول فنانة سعودية تقيم معرضاً لأعمالها الفنية. ولقد استطاعت أن تختار موضوعات تراثية مرتبطة بالنساء وعاداتهن، وهو ما لم يسبقها به أي فنان أو فنانة سعودية أخرى. أما الفنانة منيرة موصلي، فقد حصلت على بكالوريوس الفنون من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1387هـ/1967م، كما أعتبر أن المعرض الثنائي هذا إيذاناً بدخول المرأة السعودية لعالم الفنون التشكيلية في المملكة الذي أصبح يضم الكثيرات منهن الآن.
وفي عام 1971م/1391هـ أقام الفنان سعد العبيد، أول معرض شخصي له في مدينة الرياض. ثم تلاه معرض شخصي للفنان عبد الجبار اليحيا عام 1973م/1393هـ، وهو يعد من أول المساهمين بتحرير مواد صحفية تعني بالفنون التشكيلية، حيث" أسهم منذ وقت مبكر في الكتابة حول الفن التشكيلي، وكانت جريدة المدينة المنورة السعودية تنشر له بعض المقالات منذ عام 1967م، ولكنه سرعان ما انقطع عن ذلك واكتفى بمشاركاته الفنية" . ولقد تتالت المعارض التشكيلية في مختلف مناطق المملكة، حتى اليوم ما نزال نشهد ظهور أسماء فنانين جدد ومعارض تقام في مختلف الاتجاهات الفنية المعاصرة.